يبدو أن وجه الكساد الذي عرفه اللبنانيون في العقدين الماضيين سيعاود الظهور مجددا عقب تحذير دول خليجية رعاياها من السفر إلى لبنان، حتى أن وزير السياحة اللبناني ميشال فرعون أقر بأن امتناع السياح الخليجيين، وخاصة السعوديين، عن السفر إلى لبنان له انعكاس سلبي كبير على الحركة السياحية اللبنانية، مشيرا إلى أنه يأمل أن تزول مسببات هذه الأزمة التي عصفت بالعلاقات السعودية اللبنانية سريعا، وأن يعود الأشقاء في الخليج والسعودية إلى لبنان في موسم الصيف القادم.
وقال خلال اتصال هاتفي مع «عكاظ» إن القرارات السعودية والخليجية الأخيرة لها انعكاسات سلبية مباشرة وغير مباشرة على الحركة السياحية في لبنان، وعلى قطاعات اقتصادية أخرى. في الوقت نفسه ثمن الوزير اللبناني المواقف السعودية المشرفة من لبنان، ودعمها للشعب اللبناني طوال السنوات الماضية، والعلاقات المتميزة بين البلدين.
وأكد فرعون تفهمه الاستياء السعودي من بعض الأمور التي تحدث في لبنان ، «العديد من اللبنانيين يشاركون الرياض في الاستياء»، لافتا إلى أن روابط الصداقة والعلاقات التاريخية التي تربط لبنان بأشقائه في دول الخليج وخاصة المملكة عميقة وكبيرة.
وأوضح أن هناك تحركا على أكثر من صعيد لمعالجة الأزمة الراهنة، مشيرا إلى أن هذه الأزمة ليست فقط دبلوماسية، بل إنها أزمة لبنانية داخلية أتت من عوامل خارجة عن إرادة لبنان الحقيقية، وإن ما يدور في المنطقة ينعكس على جميع الدول وخاصة لبنان.
وأفاد وزير السياحة اللبناني بأنه على الرغم من التفهم للاستياء السعودي والخليجي، «فإنه لن يصح إلا الصحيح»، مؤملا أن العلاقات اللبنانية مع أشقائه في الخليج والسعودية مبنية على ثوابت قوية. ويضخ السياح الخليجيون الذين يمثل السعوديون منهم النسبة الأكبر سنويا على لبنان مبالغ ضخمة تشكل مدخلا اقتصاديا مهما للحكومة اللبنانية، بيد أن حزب الله يجر الجمهورية الشاغر منصب رئيسها لأكثر من 22 شهرا إلى أزمات اقتصادية فضلا عن السياسية بحسب ما يراه اقتصاديون لبنانيون. ووفقا لإحصاءات رسمية من وزارة السياحة اللبنانية، فإن السياح السعوديين بلغوا في يونيو 2014 أكثر من 80% من السياح الخليجيين، وسجل السعوديون عددا ضخما كسياح وافدين إلى لبنان بواقع 73 ألف زائر في عام 2011 رغم التراجع الكبير في حركة السياحة في المنطقة بسبب «الربيع العربي».
ويشكل الخليجيون العنصر الرئيس للسياحة التي تشكل دعامة قوية للاقتصاد اللبناني، وتصور الأثر الاقتصادي في حال عزوف السياح الخليجيين عن زيارة لبنان ليست بالأمر المعقد كما يؤكده مراقبون، إذ بدت معالم التخوف تتشكل بعد تحذير دول خليجية رعاياها من زيارة لبنان عقب الخطوات السعودية الأخيرة.
وبعد أن حطت الحرب الأهلية أوزارها بعد سنوات طاحنة لطخت شوارع بيروت بالدم والخراب، كانت محطة الاتفاق في الطائف عقب جهود مضنية للحكومة السعودية في السعي لإيقاف ضياع الدولة اللبنانية التي لم يبق منها سوى ظلها وقليل من صوتها الخافت.
بدأ السعوديون فعليا في أواخر الثمانينات الميلادية بلم الشمل اللبناني، وظل اتفاق الطائف مرجعية القوى السياسية وصمام أمانها للعملية السياسية.
لم يقف السعوديون عند المصالحة السياسية بل عمدوا إلى إعادة إعمار ما أفسده الاقتتال الداخلي، بالمال وتنشيط الحركة السياسية، حتى تحول وسط العاصمة بيروت لأهم المعالم السياحية بواسطة الدعم السعوي، وبات الـ «سوليدير» قلب المدينة السياحي والسياسي أيضا.
بذل السعوديون أموالا طائلة في خدمة العرب، ولم يمن ساسة المملكة يوما بما قدمت بلادهم للآخرين، إذ توجد قناعة راسخة ترجع لأدبيات عربية أصيلة، بـ «أن مساعدة الأخ والجار والصديق واجبة»، وتمثل تلك القناعة خطا سياسيا متبعا منذ عهد الملك المؤسس ومرورا بأبنائه الملوك من بعده.